أهم الخطابات

مقدمة > 21/9/1990 توقيع قانون الاصلاحات

لقد أزفّ موعدكم في لبنان مع لبنان
أيها اللبنانيون،
في ظل التحولات الدولية التي تفرض نفسها، ووسط التغيرات الاقليمية التي تعصف حولنا، وبينما كانت قلة من البنانيين تغرق في الاروقة والاحياء تلهو بلعبة الموت، أو تحاول إشغالنا عن مسؤولياتنا، أبينا إلا ان نحمل هم لبنان كلَّ لبنان، فحلنا دون ان يجعل من لبنان فرق حساب في يالطا جديدة.
بين طريق الدم والدمار، وطريق الحوار ووعي المسؤولية، اخترت لكم وللوطن الطريق الجدير بدور لبنان الحضاري.
بين بقاء لبنان الدولة الواحدة القوية القادرة، وفرض دويلات الامر الواقع، اخترت لكل المواطنين عودة لبنان المعترف به دولياً، والفاعل الرائد بين أشقائه وفي العالم.
بين الكيان الضائع، والمتناحر، والمغتصَب بعض جنوبه الغالي، ولبنان الوطن السيد الحر المستقل، اخترت لكم وطنكم الذي تفخرون بتاريخه المشرق، وتهنأون بمستقبله المشرّف.
أنا المؤمن ببلدي، والواثق بشعبي الذي صمد ببطولة، أكثر من خمسة عشر عاماً ليبلغ السلام والامان، الوفاق والحياة، الحرية والكرامة، قضيت الاشهر العشرة معكم أحمل آلامكم وأوجاعي، أعاني سقوط البعض في مهاوي النزف والانتحار، لم أحد خلالها لحظة عن سلوك طريق العقل، فالبلاد تبنى بالمنهجية لا بالمزاجية، بالثقة والشرف والكفاءة، وليس بالإفتراء والتخبط وضياع المسؤولية. هذه شرعيتكم التي ما اقترفت إثم الدم، ولا تلوثت بعار الهدم، مشت بخطى وئيدة لكن ثابتة، تشيد اسس الوفاق والتلاقي، سالكة درب الديموقراطية إطاراً لإنطلاق وطني سليم معافى، رحب رحابة التنوع اللبناني، قابل للحياة وللحركة، قادر على التجدد والتطور مع مسيرة العصر والتقدم. فلبنان ينهض على قاعدة الديموقراطية، التي تضمن نماء العيش المشترك، في إطار من الحرية والامان والترقي، على طريق خير لبنان والقيم العليا التي تجمعنا.
على هذا، أقدم لكم انجازكم الدستوري، يرسي قواعد الجمهورية الثانية، فيها كل مواطن يثق في نفسه وبأخيه المواطن وبدولته، وفيها كل مواطن يتفاعل ويتكامل مع ذاته وأخيه المواطن ودولته، فيكون كل لبنان لكل لبنان، ينبض بالحياة وبالسيادة وبالحرية، ويهنأ بالإخاء والرخاء والسلام.
أيها اللبنانيون،
إن الإنجاز الدستوري يحتم عليِّ إزالة كل العوائق من أجل إعادة بناء الدولة الحديثة المسؤولية:
فمن تجاوب مع مبادرة السلام في  11 تموز تجاوب مع لبنان، ومن عارضها عرّض نفسه لعداء لبنان.
من أقدم تقدم، ومن أخلف تخلف.
إننا مقبلون على تأليف حكومة تضم الجميع، تنهي حال الحرب، تحل الميليشيات، تبسط سلطة الدولة وسيادة القانون على الارض اللبنانية كافة، وتعالج الوضع الاقتصادي المتفاقم، وترسي قواعد ثابتة للعلاقات الاخوية الطيبة مع الشقيقة سوريا , تشق مرحلة جديدة من الإنفتاح والتآزر والاستقرار.
أوقع اليوم باسمكم قانون الإصلاحات، لنبدأ معاً مسيرة إنهاء الحرب، مسيرة حل الميليشيات، مسيرة عودة الدولة بكل مرافقها ومرافئها، مسيرة عودة المواطن الى بيته، الى مصنعه، الى متجره، الى حقله، مسيرة عودة الطالب الى مدرسته وجامعته، مسيرة عودة المهجرين والمهاجرين بفعل المدفع أو الدمار او العوز، مسيرة الترفع عن الاحقاد والضغائن، فتتكاتف الايدي، أيدي البناء والإنماء، ايدي السلام والاستقرار، تحمل لبنان المستقبل.
وهنا اتوجه الى المجلس النيابي الكريم مقدراً عطاءاته وتضحياته من أجل لبنان. ولئن قيل إن عمرك ثمانية عشر عاماً، فلقد كنت الخميرة الصالحة ورسول السلام، إذ أبيت إلا أن تسلم الجيل الطالع لبنان نظيفاً من الحرب وشوائبها، لينطلق الشباب والكفاءات كافة في أداء دورهم، وتحقيق أفكارهم وأحلامهم وطموحاتهم. وإني لآمل ان نتمكن من إجراء الانتخابات الجديدة في وقت قريب. أما لطالبي الانتخابات الآن، وفي ظل الظروف الحاضرة، نقول إن الاستفتاء تم , يوم ثار أهلنا وابناؤنا على الذين ضربوهم وقتلوهم وخطفوهم وهدّوا لهم بيوتهم والمنشآت، فتركوا لبنان بحثاً عن الامان في أي مكان.
كما اتوجه الى الحكومة التي حملت معي وزر هذه المرحلة القاسية، أحيي متابعاتها الدؤوبة لإعادة المؤسسات، وتوفير الخدمات، رغم التحديات العاصفة ورغم الظروف المعاكسة، ورغم الإفتراء والتجني، فلا يخفى ان الاشهر الاخيرة، لم تشكل مرحلة بناء وتحقيق إنجازات ضخمة، قدر ما جاءت مرحلة، البطولة فيها، هي تخفيف الاضرار ومنع لبنان من الضياع والانهيار.
وفي هذه اللحظات اتوجه الى أبنائي العسكريين.
 لقد خاطبتكم في اول آب , يوم عيدكم،
واليوم أؤكد، مرة أخرى، أن شرعيتكم ضنينة بكل مواطن، بكل بيت، بكل جندي.
لا أقبل بان يحمل الشعب وزر بعض الممارسات وما تخلفه من مآس، كما لا أقبل أن يكون الجيش المحرقة وكبش المحرقة بالذات. فإذا كشفت بعض الوثائق المؤسفة، السهولة في ضرب اعناق المواطنين وأرزاقهم بالخوف والجوع والموت، لسبب ولغير سبب، فإن البطولة تبقى في احتمال أبغض المعاناة وصولاً الى ما يجب ان يكون، دارئين عن الناس وعن الوطن شر الكوارث والنكبات.
 أيها العسكريون،
       انتم امام واقع من ثلاث:
-    إما بقاء الجيش مبعثراً وموزعاً بين شرعي ووحدات عاصية، هذا الواقع أدى ويؤدي الى المزيد من الانهيار الوطني والاقتصادي، ويعرض مصير الوطن الى شر الاستحقاقات. هل اقسمتم للوفاء للشرعية ام  للاستسلام للتمرد على الشرعية.
-    وإما تقاتل وحدات الجيش الواحد، ومن يفرح برؤية هذه المؤسسة، للمرة الاولى في تاريخها، وقد جرّح وجهها بعض من انضوى فيها ليصونها الأنقى انضباطية ومناقبية وتضحية؟ ألم تخبروا بعد، ما يجر العنف من ويلات ومآس كنت ولا أزال احرص على تجنبها على الرغم من كل شيء؟ ولماذا يكون انتصار الشرعية بانكسار ضباط  وجنود رعاهم الوطن ليلبوا نداء الشرعية؟
-    وإما انضمامكم بعضاً على بعض على قاعدة أخوّة السلاح وانضباطية المؤسسة ووحدة الولاء للبنان الواحد، فتكون مؤسستكم مرة أخرى قدوة ونموذجاً لوحدة لبنان وتثبتون أن لبنان جدير بالإنقاذ وبالبقاء.
وإلا فإنكم تكلفونني القرار الصعب باللجوء الى عملية جراحية لا بد منها.
فلن أقبل بان اكون الشاهد على ضياع لبنان
ولن اقبل الا بإنقاذ لبنان ووحدته
فمسيرة الدولة لن تقف ولن تنتظر.
عهدي بكم إنكم لن تغدروا بثقة الوطن بكم  
عودوا الى اصالتكم أثبتوا انكم للبنان  وأوفوا بقسمكم.
فأجمل ما عندي، أن ارى ابنائي الضباط والجنود يتعانقون رافعين راية السلام في كنف قيادتهم الشرعية.
أيها اللبنانيون،
أعرف معاناتكم المعيشية وأعي دقة الوضع الاقتصادي. إننا نخرج من دوامة أزمات طالت خمسة عشر عاماً أو يزيد. وإن حروب السنتين الاخيرتين، بمختلف أشكالها والوانها وشعاراتها، هجرت ثروة لبنان ومعظم الكفاءات والطاقات. فهذه الحروب الانتحارية دفعت اللبناني الى الكفر ببلده. أضف الى ذلك، ما فعلت في اقتصادنا الضعيف أحداث الخليج التي هزت الاقتصاد العالمي كما هو معلوم.
ولكنني على يقين باننا مع ادارة علمية واعية، ومع سياسة اقتصادية مسؤولة وهادفة، نتجاوز هذه الازمة، فأشقاء لبنان واصدقاؤه كثيرون وهم هبوا لدعمه ومساندته. غير ان الصراحة تقضي بأن تعلموا: لا الصناديق الدولية، ولا الاعانات الخارجية، هي التي تنقذ لبنان من أزمته الاقتصادية. بل وقف الحرب، وعودة السلام، وعودة الثقة بلبنان هي التي تنهي الواقع الاقتصادي المتردي.
بالوفاق والتوحد في الدولة نضع حداً للنزف القتصادي، وبالتبعثر والاستئثار تتفاقم الكارثة الاقتصادية، الاجتماعية.
لبنان عبر ابنائه يتمتع بثروة كبرى. لم يعتمد لبنان مرة على الذهب او النفط، بل اعتمد دائماً على ابداع ابنائه وجهودهم وثقتهم بوطنهم.
ايها اللبنانيون في كل مكان، في الداخل وفي الخارج، في زوايا اليأس أو في اروقة الهجرة والتشرد، أناديكم: عودوا الى لبنان حتى يعود اليكم لبنان.
أيها اللبنانيون، من اصحاب الثروات كنتم , أو من اصحاب الكفاءات والخبرات والسواعد، أناشدكم: ثقوا بلبنان حتى نبني جميعاً وطن المستقبل.
أيها اللبنانيون،
لقد أزِف موعدكم في لبنان مع لبنان.

© حقوق الطبع والنشر 2024 - جميع الحقوق محفوظة