عام 2014
في الذكرى الثامنة لرحيل الرئيس الياس الهراوي، أقيم إحتفال في دارة الرئيس في اليرزة، حيث مُنِحت جائزة العام 2014 الى النائب والوزير السابق وليد جنبلاط "القرار الوطني اللبناني المستقل".
حضر الإحتفال الرئيس السابق ميشال سليمان وعقيلته، ممثلة رئيس مجلس النواب نبيه بري عقيلته السيدة رندة بري، ممثلة رئيس الحكومة تمام سلام عقيلته السيدة لمى سلام، الرئيس نجيب ميقاتي وعقيلته، الرئيس فؤاد السنيورة وعقيلته، وزراء الدفاع الوطني سمير مقبل، الإعلام رمزي جريج، الإتصالات بطرس حرب، الصحة العامة وائل أبو فاعور، الزراعة أكرم شهيّب، البيئة محمد المشنوق، الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، السفير البابوي غابريللي كاتشا، وسفراء السعودية علي عواض عسيري، مصر أشرف حمدي، فرنسا باتريس باولي، الإتحاد الأوروبي أنجلينا إيخهورست، بلجيكا كوليت تاكيه، إيطاليا جيوسيبي مورابيتو، والقائم بأعمال السفارة الكويتية محمد الوقيان، كما حضر نواب حاليون وسابقون، نقيبا الصحافة محمد بعلبكي والمحررين الياس عون، رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، مطران الروم الكاثوليك كيرللس بسترس، إضافة الى عائلة جنبلاط السيدة نورا جنبلاط ونجله تيمور وكريمته داليا ونجيب جنبلاط، وحشد من الرسميين وأصدقاء المحتفى به.
بدأ الإحتفال بكلمة للنائب مروان حمادة قال فيها :"لو حررّت مذكراتي لشكلّت فصلاً وضيعاً من مذكرات وليد جنبلاط، فمقاربتي الاولى بالشاب النحيف والخجول كانت في أوائل السبعينات عند حضوري حفل تخرجّه في الجامعة الاميركية . الأستاذ فؤاد حداد "الرجيسترار" ابن بعقلين الكاثوليكي يتلو لائحة خريجي الدورة . أسماء ثلاث تحمل صدىً تاريخياً مدوياً رنت في اأذني : اميل بيار اده، بشاره خليل الخوري، وليد كمال جنبلاط .
بعد نصف قرن تقريباً لا يزال الاسم مدوياً ولو باصداء مختلفة.
هل لانه الأكثر إثارة؟ الأكثر شهرة؟ الأكثر تقلباً؟ أو اللأكثر تصلباً؟ هل لانه بالنسبة للاخرين كتلة عقد يصعب حلّها او لأنه يعقدهم، هو، بجدليته الثاقبة، بميزاته القيادية، بتلمسه الفريد للواقع وقراءته للأحداث في تناقضاتها وتصادمها.
لم أرى وليد جنبلاط يوماً اكثر سعادة من ذلك النهار الذي عقد فيه، برعاية الرئيس الراحل الياس الهرواي صاحب الدار والجائزة، أول مصالحة جبلية : مزرعة الشوف، تحت قمم جبل الباروك وشموخ أرزه شكلت مفصلاً في حياته السياسية، فصل تكلل مؤخراً بالمصالحة المعجزة بين أهل بريح الذين فرقتهم ثم جمعتهم نفس الجبلة العنيدة .
حكمة الرئيس الهرواي مهدّت لمرحلة شهدت حل الميليشيات وجمع سلاحها وارتفاع وتيرة المقاومة للعدو الاسرائيلي مع اطلاق ورشة البناء لانتزاع الاقتصاد من كبوته المزمنة فدفعت بوليد جنبلاط الى دعم التمديد لابو جورج . نفس الاسباب انما عكسية حملته الى رفض انتخاب الرئيس اميل لحود ولاحقاً التمديد القسري له . اللا للحرب ترجمها اصراراً على السلام . واللا للشرذمة ترجمها مزيداً من التمسك بالمواثيق.
جائزة الرئيس الياس الهراوي الممنوحة الليلة لوليد بك من السيدة منى وباسم ابو جورج استحقها البيك في بيئته، في وطنه، في محيطه . استحقها سياسياً وثقافياً وتنموياً . وخصوصاً استحقها مع أبطال ذلك الزمن الصعب الذين عملوا على إخراج لبنان من المحن التي حلّت بمنازله العديدة .
فأي منزل أحق من منزل الياس الهراوي وأية يد اجدر من يد الست منى لمنح وتسليم جائزة بهذه الرمزية الوطنية. "
من جهتها قالت السيدة منى هراوي:
كَمْ يُسْعِدُني أن أراكم اليَومَ مُتَحَلِّقينَ لِتَكْريم الزعيم وليد جنبلاط بِمَنْحِهِ جائِزَةَ الرئيس الياس هراوي : وُجوهاً نَيِّرَةً وَطَيِّبَة، لَكَأَنها بِحُضورِها الممَيَّز تُثْني على قَرارِ لَجْنةَ إحْياء ذِكْرى الرئيس بِمَنْحِهِ هَذِه الجائزة.
وبِمِقْدار السَعادة التي أَشْعُرُ بِها في هَذِهِ الأَثْناءَ يَصْعَبُ عَلَيَّ أَنْ أُقَدِّم َوليد جنبلاط:
الزعيمُ اللّبنانيُّ والذي تَتَخَطَّى زَعامَتُهُ الوَطَنَ الصغير،
أم رئيسُ الكتلةِ النيابية الوازنةِ والوسطيةِ، أم الوزيرُ السابق، أم النائبُ الدائم، أم رئيسُ الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسَسَهُ الزعيمُ الكبيرُ الراحل كمال بك جنبلاط،
أم حامِلُ الإِرْثِ التاريخي لِطائِفَةٍ مُؤسِسَةٍ للكيان اللبناني كَما يقولُ الأب يواكيم مبارك؟
إنَّهُ الرَّقمُ الصَّعبُ في المعادلةِ اللبنانيةِ.
وليد جنبلاط هو الحريصُ على حِفْظ التَعَدُّدِيةِ والحُرِيَّةِ والكرامة، وعلى أن يكونَ لبنان، الوطنَ الصَّغيرَ والدَورَ الكبير هانِئاً، يَتَشارَكُ في حِكْمِه الجميعُ وَيَتَّسِعُ لِلْجَميعِ ضِمْنَ سَقْفِ الميثاق.
وليد جنبلاط المحَنَّكْ في السياسة الذي يَسْتَقْصي إتِّجاهاتِها المتَناقِضَة، القارِئُ والمثقّفُ باللُّغات الثَّلاثْ، والمطّلعُ على شُؤونِ وشُجونِ العالم، لَمْ يَحْصُر إهْتِمامَهُ في الوَطَن على كِثْرِ مَشاغِلِهِ وانشِغالاتِه بَل لَهُ عَيْنٌ دائِمَةٌ على فلسطين (...) دونَ إغفالِه تَتَبُّعَ ما يَجْري في الإقليم لِرَصْدِ الأحداثِ ودراسةِ أَثَرِها على لبنان لِتَحْديدِ البوصَلة حتى قيل "انظروا إلى وليد جنبلاط تعرفون أين السياسة".
أما وليد جنبلاط الإنسان فَلَهُ تُراثٌ غَنِيّ مُسْتَمَدٌ من تاريخِ عائِلَتِه في القربِ من الناس فاتحاً بَيْتَهُ وقَلْبَهُ لكلِّ من يقصدُه. فالمختارةُ مفتوحةٌ للجميع من كل المناطق والاتجاهات حتى لِتَظُنَّ أن قصرَها في مهرجانٍ شعبيٍ دائم. وزعامةُ وليد بك ليست منحةً من بيت ولا مُستمدةً من تاريخ فقط، هي محبةٌ وولاءٌ من الناسِ الذين يرَوْنَ فيهِ رمزاً معطاءً ومرجعاً.
يُقال في وليد جنبلاط الكَثيرُ ولا يوفَى حَقُّهُ، هو المعروفُ بواقِعِيَّتِه الثَّابِتَةِ وبوصَلتِهِ ومَعاييره الحقوقيةِ الضامنةِ للحرياتِ والإستقرارِ والسِلْم الأهلي ولبنان الإستقلال والسيادةِ والدولة والوطن.
يُضافُ إلى هذا كلِّه، حِكْمَةُ الرجلِ وتغليبُه مَصْلحَةَ الجماعة على حسابِ شخصِه غير آبهٍ بما يُقالُ فيه وعنهُ ممّا سيمحيه التاريخُ ويُصحّحَه : فهو ليسَ وسطياً كما يَصِفونَه بِقَدْرِ ما هو واقعي.
إِنْطِلاقاً من هذه الواقِعِيَّة، ومن هَذِه الدار على بُعْدِ أمتار من القصر الجمهوري، حيث يُقْلِقُنا ويُؤْلِمُنا أن يبقى الكرسيُّ الرئاسيُّ شاغراً، نَضُمّ َصَوْتَنا الى صَوْتِك وليد بك لِنَقولَ لجميع الحريصين على الميثاق والدستور والمؤسسات، هُبّوا الى انتخابِ رئيسٍ للجمهورية لِيَسْلمَ الكيانُ وينجو الوطنُ.
وليد جنبلاط، كَمْ نَحتاجُ أمْثالَكَ في كل طائفة ....
يبقى أن أَخْتُمَ بِذكرِ وفائِكَ للرئيس هراوي الذي كُنْتَ آخرَ مَنْ استقبلهُ قبل لحظات من مُغادرتِهِ قصرَ بعبدا وإلى جانِبِكَ كريمتُكَ داليا، التى أردْتَ مِنْ خِلالِها التعبيرَ عن العلاقةِ العائليةِ والشخصيةِ التي ربطتكُما سوياً، وهذا كانَ حالُ وفائِكَ مع الرئيس ميشال سليمان بِتعليقِ صورتِه في صدرِ صالونِ قصر المختارة.
هذه شيمةُ الكِبار أمثالِكَ.
إِنَّ جائِزة الرئيس الياس هراوي تَكْبُرُ بِكَ اليوم.
هنيئاً لك ولنا هذا التكريم.
ثم سلًمت السيدة منى هراوي الجائزة للسيد وليد جنبلاط الذي ختم الحفل بكلمة جاء فيها:
اشكر بداية لجنة جائزة الرئيس الهراوي على هذا التكريم، وأخص بالشكر السيدة منى الهراوي التي أعطت لبنان والطفل اللبناني الكثير من الأمل . وأستذكر معكم، في هذه الامسية، فخامة الرئيس الراحل الياس الهراوي.
في عهد الرئيس الهراوي، في مطلعه، كانت دويلات، توالدت وتكاثرت مع تفاقم الحرب الأهلية العبثية، وكنا جميعاً أبطالها، كل لأسبابه ونظرته وفهمه لعناصر الازمة وجذورها . وقد إنتقلنا الى العمل السياسي مجدداً بعد أن أنهكتنا حروب الأزقة، فكان القرار الكبير بإعادة توحيد الجيش اللبناني بعد تجريد الميليشيات من السلاح (...).
ولا ننسى أننا قد توافقنا آنذاك على بقاء سلاح المقاومة الى حين تحرير الأرض المحتلة الأمر الذي حدث سنة 2000 الى أن وقع الخلاف لاحقاً حول الترسيم والتحديد الذي كان أقر بالإجماع في الحوار الوطني سنة 2006 . واليوم، وأكثر من أي وقت مضى بات من الملح والضروري التمسك بحدودنا القائمة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة إعادة ترسيم للحدود بين الدول على قواعد جديدة مغايرة للقواعد التي اعتمدت في الحقبات السابقة (...).
في عهد الرئيس الهراوي، وبالشراكة مع الرئيس نبيه بري والرئيس الشهيد رفيق الحريري، تحقق الكثير من المنجرات، والثابت والأكيد أن تطبيق إتفاق الطائف، رغم شوائب النص وشوائب التنفيذ، ورغم عدم إلغاء الطائفية وإنشاء مجلس الشيوخ، إلا أنه شكل مظله وحاضنة وطنية أدت الى الإستقرار الأمني والإستقرار النقدي وشيء من الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي رغم ملاحظاتنا الدائمة على خطط النهوض المتتالية آنذاك.
تحت رعايته، وضعنا المداميك الأولى لطي صفحة الحرب من خلال مصالحات الجبل وإطلاق مسيرة عودة المهجرين والتي توجت لاحقاً في المصالحة التاريخية مع البطريرك صفير في المختارة سنة 2001 . وكان مصراً على تحريك هذا الملف لإدراكه بأهميته على مستوى إعادة اللحمة بين اللبنانيين بعد سنوات طويلة من الحرب.
في عهده، لاحت بارقة أمل في تطبيق الزواج المدني الإختياري، لكن أسباباً سياسية وغير سياسية حالت دون أن يكمل طريقه الى التنفيذ، وهو شكل فرصة للخروج من دوامة النظام الطائفي الذي غرقنا فيه منذ استقلال لبنان الكبير . وكان شجاعاً ومقداماً وصادقاً في موقفه وإصراره.
أخيراً، وعلى أمل إنتخاب رئيس جديد ينطلق من الثوابت السياسية والمسلمات التي انتهى اليها عهد الرئيس ميشال سليمان لا سيما إعلان بعبدا، فإنه لا مفرّ من خروج جميع المتورطين في سوريا عاجلا أم آجلاً، لما لذلك التورط من نتائج وانعكاسات سلبية على لبنان في ضوء الإشتعال الإقليمي المتصاعد، مع تأكيد إعادة الإعتبار، رغم كل الصعاب، لسياسة النأي بالنفس التي قد تكون الوحيدة الكفيلة في تلافي غرق لبنان في المزيد من المخاطر الأمنية والسياسية.
رحم الله الرئيس الهراوي، كان رمزاً من رموز لبنان قبل وبعد إتفاق الطائف، وكل التحية لكم جميعاً.