إنتُخِب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية اللبنانية في 24 تشرين الثاني 1989، وسط ظروف أمنية صعبة للغاية، إثر استشهاد الرئيس رينيه معوّض . وفي العام 1995، تمّ تمديد ولايته لمدة 3 سنوات.

كان مثال الجرأة والإقدام في خروج لبنان من حالة الحرب الى أفق السلام الأهلي . واجه الأوضاع المتأزّمة بصبر وثبات، وعمل على مدى 9 سنوات على إرساء الوحدة الوطنية وإعادة النبض الى الحياة اللبنانية وإطلاق مسيرة الإعمار والتحرير، وتحقيق السيادة على كافة الاراضي اللبنانية.

اللبنانية الأولى السيدة منى هراوي

لقاء مع اللبنانية الأولى، عام 1995

 
منى الهراوي، إنسانة رائعة تتميّز بطموحها وشجاعتها ورقيّ أفكارها ورحابة صدرها وقلبها الكبير.

فعّلت حضورها الى جانب زوجها الرئيس الياس الهراوي، منذ تسلّمه سدّة الرئاسة، باتجاه العمل الإجتماعي فمدّت يد العون لآلاف الأطفال المرضى وذوي الحاجات الخاصة والمعوزين . كما أنها لم توفّر جهداً لإسماع صوت لبنان الإنسان عبر مشاركتها في العديد من الندوات والمؤتمرات في الداخل والخارج . ألقت كلمة لبنان في الفاتيكان عام 1992، في المؤتمر العالمي السابع للمعوقين، وفي الدورة السنوية لمجلس أمناء اﻟ UNICEF في نيويورك 1994، وفي المؤتمر العالمي الرابع للمرأة بيجين 1995 وفي غيرها من المحافل الدولية.

دخلت وجدان اللبنانيين كباراً وصغاراً وهي تؤكّد أن نشاطها الإنساني سيستمر حتى آخر رمق من حياتها.

منى إبنة ابراهيم جمّال وفيكتوريا حريز، أخبرينا عن نفسك؟

 
خسرت والدي في الثامنة من عمري ولم أعلم بوفاته إلا بعد مرور سنتين . كنت في مدرسة داخلية في بيت لحم يصعب الوصول إليها بسبب الحرب وانقطاع الطريق بين القدس وبيت لحم . جاء جدي وجدتي واصطحباني مع أخواتي رينيه وسلوى الى قبر أبي، وشكّل ذلك صدمة قويّة بالنسبة لي . إعتدتُ الوحدة والاسى وتعلّمت الصبر على المصاعب، مما زادني صلابة وجعلني أتمالك مشاعري.

عشت مع جدي ثم انتقلت للعيش مع والدتي فيكتوريا حريز وأخواتي في مدينة الشمس حيث وُلدتُ، وتمكّنت بفضل إيماني من السعي نحو الأفضل وتخطّي الصفحات السوداء في كتاب حياتي.

بحكم أنك شغلت موقع السيدة الأولى، كيف تنظرين الى هذه المرحلة المهمة في حياتك؟

 
لقد تولّى زوجي سدّة الرئاسة في ظروف صعبة، إستثنائية للغاية، بعد حرب ضروس دمّرت كل شيء، فكان من واجبي كسيدة أولى أن أهبّ لمساعدة المحتاجين والمشتتين في بلدهم وأعمل الى جانب الرئيس لتوحيد البلاد، ومن هنا كان دوري الإجتماعي والثقافي . أعتبر هذه المرحلة من حياتي مهمة جداً وأنا فخورة بها لأنني قمت بواجبي قدر المستطاع وضمن الإمكانيات بكل ما أوتيت من قوة.

ماذا أعطاك لقب السيدة الأولى وماذا أخذ منك ؟

 
أعطاني فرص عديدة وكبيرة لتحقيق ذاتي عبر خدمة الغير، كما سمح لي بالتعرّف الى شخصيات إقليمية وعالمية كبيرة والقيام بزيارة أماكن مهمة في العالم، مما ساعدني على تطوير شخصيتي وتوسيع أفق المعرفة.
لكن دور السيدة الأولى أخذ الكثير من وقتي وأجبرني أحياناً على التضحية بحياتي العائلية وراحتي الشخصية، لأنه بالنسبة لي، لقب السيدة الأولى ليس وجاهة بل مسؤولية وتضحية وعمل دؤوب لخلق صورة مثالية يُقتدى بها.

 كيف تصفين لنا الرئيس الياس الهراوي رجل الدولة والسياسي؟

إنه رجلٌ قويٌ، جريئٌ، صاحب قرار، وله نظرة مستقبلية ثاقبة . كان يعرف أن يقول "نعم" أو "لا" وفق الظروف .  صراحته تجرح أحياناً ولكنه لا يبالي إذ أن همّه مصلحة بلده أولاً وأخيراً . لقد عمل جاهداً منذ توليه سدّة الرئاسة على إعادة بناء الدولة والسلم الأهلي وتطلّب ذلك الكثير من التضحيات.

 
تقلّدت العديد من المناصب ولك إهتمامات متعددة في مجال الخدمة العامة في أي موقع منها وجدت نفسك؟

لقد إنخرطت بالفعل في العمل في العديد من المجالات، فبصفتي سيدة أولى أصبحت رئيسة شرف للصليب الأحمر اللبناني، وبادرت مع مجموعة من السيدات المتطوعات الى تأسيس اللجنة اللبنانية الدائمة للتنسيق في العام 1991 . وقد عملنا من خلالها حتى العام 1998 في مجال التربية والتعليم وتقديم منح مدرسية للطلاب المحتاجين، وإنشاء دور حضانة في المدارس الرسمية وتأمين مساعدات مرضية واستشفائية للأكثر حاجة، ودعم المؤسسات الأهلية العاملة في عدة مجالات . ثم كان عليّ ترأس اللجنة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية والإعداد للمشاركة في المؤتمر العالمي للمرأة - بيجين 1995، وقد أعطيت ما بوسعي في هذا المجال وسعيت مع فريق من السيدات الجامعيات الناشطات الى تمكين المرأة ورفع جميع أشكال التمييز ضدها. واليوم أنا أتابع عملي في مجالين آخرين حققت فيهما ذاتي وهما أولاً مركز الرعاية الدائمة وثانياً المؤسسة الوطنية للتراث.
   
ترأسين مركز الرعاية الدائمة والمؤسسة الوطنية للتراث، كيف ترين ما تم تحقيقه في هاتين المؤسستين حتى الان؟                                                                                   

هذين مجالين مختلفين للغاية، فمركز الرعاية الدائمة الذي تأسس في العام 1994، هو مركز طبي إجتماعي يعنى بالأطفال المصابين بأمراض مزمنة : السكري نوع أوّل والتلاسيميا، وهو يوفر لهم عبر مقاربة متعددة الخبرات الرقابة الطبية الممتازة والتوجيه الغذائي والنفسي والإجتماعي كما يوفّر لهم الدواء والمعدات الضرورية لعلاجهم الإلزامي المستمر. والمركز يواكب التطور العلمي ويسعى باستمرار لتأمين أحدث التقنيات والعلاجات لأبنائه واﻹسهام عبر حملات التثقيف والوقاية في بناء صحة أفضل لأجيالنا.

أما المؤسسة الوطنية للتراث فأهدافها مختلفة بالطبع وقد تمكّنت بالتعاون مع وزارة الثقافة من إعادة تأهيل وإفتتاح المتحف الوطني مما أتاح الفرصة لشباب وشابات لبنان للتعرف الى تراثهم التاريخي والفني والإنساني . كما أن المؤسسة عملت على تنفيذ عدة مشاريع منها إعادة تأهيل موقع نهر الكلب التاريخي وإنشاء متحف للحياة الريفية هو "بيت التراب" في تربل وإحياء اليوم العالمي للتراث بالتعاون مع الفعاليات والمؤسسات المعنية في ثالث خميس من شهر أيار كل عام.

بعيداً عن السياسة والعمل الإجتماعي، كيف تقدمين لنا منى الهراوي الإنسانة؟             

منى الهراوي الإنسانة لا تستطيع أن تفصل شخصيتها عن العمل الطوعي الإجتماعي الذي يملأ حتى الآن وقتها وحياتها . منى الهراوي إنسانة مثابرة على عملها تحضر يومياً الى مكتبها في مركز الرعاية الدائمة وتتابع دقائق الأمور والمشاكل . وهذا العمل يريحها نفسياً ويسمح لها بتحقيق ذاتها. كما أن منى الهراوي كأي إنسانة عادية تمارس الرياضة بإستمرار وتستمع الى الموسيقى وتطالع كثيراً.

أيضاً بعيداً عن رجل الدولة والسياسي المعروف، كيف تقدمين لنا الياس الهراوي الإنسان؟

كان قلبٌ كبيرٌ ومحبُ لعائلته الصغيرة والكبيرة، يسهر عليها بكل حواسه وعقله، كان يحترم الكبير والصغير وللمرأة عنده مكانة خاصة . لقد آمن بعملي وأعطاني ثقته ودعمه، ولولاه لما قمت بأي شيء.
© حقوق الطبع والنشر 2024 - جميع الحقوق محفوظة