أهم الخطابات

مقدمة > 10/12/1991 مؤتمر القمة الاسلامية – داكار

لبنان رسالة حرية وإنماء وسلام

السيد الرئيس،
من لبنان، وطن المؤمنين بالديانتين الإسلامية والمسيحية، أحمل اليكم، والى السنغال، بلد الثقافة والضيافة، تحية الإكبار والتقدير.
إن ما يربط بين شعبينا أكبر من مناسبة وانبل من مصلحة. إنه رسالة الحرية والإنماء والسلام، وقد كانت رعايتكم الابوية لجاليتنا خير شاهد، وكانت عطاءات اللبنانيين في دياركم أطيب الدليل.
ويسعدني ان أعبر لكم عن تهاني لإنتخابكم لرئاسة مؤتمرنا هذا. فلحكمتكم وخبرتكم، كما لصفاء النية التي تجمعنا ولصلابة العزيمة التي تشدنا، ما يعزز بنجاح المؤتمر والاطمئنان الى نتائجه.
كما يطيب لي ان أسجل تقديري للجهود التي يبذلها سعادة الامين العام الأستاذ حامد الغابد ساهرًا وأسرة الامانة العامة على أعمال المنظمة بجد ودأب.
السيد رئيس المؤتمر،
أصحاب الجلالة والسيادة والسمو،
أيها السادة رؤساء الوفود
منذ أن أجمعت ارادة اللبنانيين، في الطّائف، على وثيقة الوفاق الوطني بمؤازرة جامعة الدول العربية والاشقاء وفي طليعتهم أعضاء اللجنة العربية الثلاثية، وبتأييد دولي عارم، وعلى الاخص دعم الدول الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بدأ لبنان يعبر من الحرب الى السلم.
فعادت الدولة وأخذ الشعب ينعم بالإستقرار.
وبانت أصالة الوفاق الوطني في إطار الديموقراطية واحترام الحريات. إذ ما ان رفعت الحواجز حتى التحمت المناطق بعضًا الى بعض، والتف الشعب حول الدولة ونصب عينيه بناء المستقبل.
وقد سهل تحقيق ذلك بمساعدة الشقيقة سوريا التي جاءت بقيادة الأخ الرئيس حافظ الأسد سندًا لنا فقدمت أغلى التضحيات لدفع مسيرة الوفاق وتثبيت سلطة الدولة.
وبعد أن أثبتت الدولة قدرتها وجدارتها في الاضطلاع بمسؤوليتها في الداخل فغدا الانقاذ واقعًا قائمًا باعتراف العالم كله، فإننا ننطلق الآن الى تحقيق هدفين متلازمين يشكلان مهمة واحدة:
استكمال تحرير الجنوب
وإعادة البناء والاعمار.
السيد الرئيس،
ليست قضية الجنوب مشكلة لبنانية داخلية، بل لبنان يعاني بسببها أعباء المساس بحقه في السيادة والاستقلال، وأهوال التعسف اليومي من قتل للأبرياء والمدنيين، وتدمير للممتلكات ونسف للمنازل حتى بات اهلنا هناك عرضة للاعتداءات المباشرة التي تهدد حياتهم والحقوق الانسانية الأساسية.
نركز معكم على الجنوب لأنه يشكل قضية لبنان المركزية، وقضية نموذجًا لحق دولة عضو في منظمتكم في ممارسة سيادتها على أراضيها كافة.
يطالب لبنان بتطبيق القرار 425 الذي أصدره مجلس الامن الدولي منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا والذي جاء يصون حق لبنان في وجه اجتياح اسرائيل لأجزاء من الجنوب والبقاع الغربي، والذي بفعله ارسلت القوات الدولية المؤقتة لتأكيد انسحاب القوات الاسرائيلية فورًا الى ما وراء حدودنا المعترف بها دوليًا وتأمين عودة سلطة الدولة اللبنانية في تلك المنطقة.
لقد شقت الحكومة طريقها بعزم على تنفيذ هذا القرار بكل بنوده، ناهجة نهج التنسيق والتعاضد مع الاشقاء، والتشاور مع الاصدقاء وحثهم على مؤازرتنا.
في هذا الاطار شارك لبنان في مؤتمر السلام على أسس ثلاثة:
أولًا  : الفصل بين قضية جنوب لبنان وقضية الشرق الاوسط.
ثانيًا  : التزام ما يجمع عليه الاشقاء.
ثالثًا  : تيسير أي مسعى دولي لإقرار السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة.
لقد أصر لبنان على سلوك الطرق الدبلوماسية والاتصالات مع الاشقاء والاصدقاء لوضع حد لانتهاك حدودنا وارتكاب المآسي.
إننا نتطلع الى مؤتمركم ليساندنا في استعادة حقنا المقدس. ونحن على يقين بأن ما يهدد كياننا وأبناءنا يحرك هممكم واهتمامكم لتوفير الدعم المرجو والضغط المنشود لصون دولة عضو في منظمتكم لا نشك في حرصكم على سلامتها وعلى دورها. وما كان لبنان إلا متضامنًا مع أسرتكم على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية كافة وفقًا للأهداف والمبادئ التي قامت على أساسها منظمة المؤتمر الاسلامي.
السيد الرئيس،
كيف يمكن لمسيرة الانقاذ والتحرير أن تتقدم إن لم تسندها ورشة بناء وإعمار؟ إن الامان الحقيقي ليس مجرد اجراءات عسكرية، بل هو الى جانب ذلك فعل إنماء شامل ومتكامل.
الآن وقد ترسخ الامن وعادت الثقة بلبنان حافزًا لعودة من هجر قسرًا من أبنائه الى الوطن الأم، كما تتعزز مسيرة الوفاق الوطني وترسيخ سلطة الدولة على أراضينا كافة، نتطلع الى دعمكم لخططنا الإعمارية. وقد كان لبنان تقدم بطلبات خلال المؤتمر الاسلامي العشرين لوزراء الخارجية، وخلال الدورة السابعة للجنة التعاون الاقتصادي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، اللذين انعقدا في اسطمبول في آب وايلول الماضيين. وعهدنا ان يلقى من دول المنظومة الاسلامية التجاوب الفاعل لإطلاق الصندوق الدولي لإعمار لبنان وتمكينه من العمل. فبعد أن هدمت الاحداث الدامية المرافق الحيوية، وأصابت القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية للإنتاج، تواجه الحكومة اللبنانية تحديات كبرى على كل المستويات، لكنها عازمة على اعادة الامور الى طبيعتها، يحفزها الى ذلك ثقتنا بالاقتصاد اللبناني الحر الذي نعتمد عليه في مسيرة الإعمار وعودة الازدهار، وبالدور الفاعل لرجال الاعمال اللبنانيين المقيمين، والمنتشرين في العالم وثقتنا بإسهام منظمة الدول الاسلامية والمنظمات الدولية الأخرى في مساندة لبنان حتى يستعيد عافيته، ودوره الفاعل في العالم النابع من كونه ملتقى للحضارات والقيم.
وهنا إذ اتوجه بالشكر الخاص للاهتمام الطيب الذي يلقاه اللبنانيون الموجودون في معظم بلدانكم، لا يسعني إلا ان اناشد بعض إخواني القادة رعاية اللبنانيين الموجودين في بلدانهم بما يتلاءم وعطاءاتهم حيث هم، فمن ضحى بعمره وجهده بذلاً وإعمارًا من حقه أن يبادل بالوفاء.
إننا بصدد رسم الخطوات الاولى لإنماء لبنان كله بدءًا بإعادة تعمير بيروت عاصمتنا وبالعمل على اعادة المهجرين الى بيوتهم وأرزاقهم. واللبنانيون الذين ما حلوا في دياركم، أو ديار العالم، إلا أسهموا في إعمارها، يستحقون منكم أن تشاركوا معهم في مسيرة بناء وطنهم. أليس وجوب التضامن والإعانة على النهوض فيما بيننا هو في مقدمة أهداف المنظمة ورسالتها؟
السيد الرئيس،
لم يتأخر لبنان يومًا عن الذود عن أية قضية حق، وقد عمل على الدوام من أجل الحرية والبناء والسلام.
إن لبنان إذ يؤكد التزامه ضرورة إقرار حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإذ يؤكد التزامه ما يجمع عليه الأشقاء في الاسرة العربية بحق استعادة الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل في العام 1967،فإنه يحرص على المطالبة، في كل موقع، بالعمل على تحرير الانسانية من الرعب النووي ونزع الاسلحة الكيماوية والبكتريولوجية من مختلف البقاع وخاصة من الشرق الاوسط ليبقى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وفي هذا السياق نؤيد الاتجاه الى حل المشاكل بين الدول الاعضاء داخل المنظومة الاسلامية أو بين دولها والدول الاخرى، عن طريق الحوار.وندعو الى توطيد الثقة بدور هذه المنظمة، فالتحديات الكبرى المستجدة تحتم مع العصر الطالع اعتماد نهج الحوار والتعاون بديلاً عن الصراع والتطاحن.
وإننا إذ نحيي انحسار سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا نأمل في العمل جميعًا من أجل غد مشرق للقارة الافريقية عمومًا، ومن أجل سلام يعم الكوكب فينعم الانسان بالحرية والاستقرار والتقدم.
السيد الرئيس،
أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
أيها السادة رؤساء الوفود
لبنان الذي اثقلته السنوات الست عشرة الاخيرة ظلمًا وموتًا ودمارًا ينتفض اليوم واثقًا، مؤمنًا بأنه أنقى مما الصق به نتيجة الاحداث المغرضة والمفروضة.
فوطن اللقاء بين قيم الله  يعود الى ممارسة دوره بين الاشقاء وفي العالم حاملاً رسالة الصفح والحق والعدل، وداعيًا الى التلاقي والتعاون على حد ما جاء في الذكر الحكيم:
" واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وكونوا عباد الله إخوانًا"

© حقوق الطبع والنشر 2024 - جميع الحقوق محفوظة