أهم الخطابات

مقدمة > 1/8/1995 احتفال اليوبيل الذهبي للجيش

ماحققناه هو أكثر من منجزات عهد إنه منجزات وطن

أيها العسكريون،
بعد مواقف جريئة لقادة البلاد، نال لبنان استقلاله في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من العام 1943.
وبعد مفاوضات مع الفرنسيين تولتها عن الجانب اللبناني لجنة برئاسة نسيبنا القاضي يوسف شربل رحمه الله أُعلن في الخامس والعشرين من تموز 1945 عن انتقال الجيش اللبناني الوطني الى تبعة الدولة اللبنانية المستقلة وذلك اعتبارًا من الساعة صفر من أول آب 1945.
إن ولادة مؤسستكم هي ثمرة الاستقلال الوطني.
ومؤسستكم هي درع الوطن بمقدار ما تتنزه عن أي طابع طائفي أو جغرافي، وبمقدار ما تتجرد من أهواء السياسة وتجاذباتها.
منعة الجيش هي من كونه مؤسسة تصهر الشباب في الوطن ومن أجل الوطن. لهذا انطلقت خدمة العلم ليتشرب الشباب المناقبية الوطنية الصافية.
لقد أديتم بجدارة ما عهدت الدولة به اليكم، فعززتم ثقة المواطن بالدولة والغد، وأكدتم حرص الدولة على سيادة القانون وصون الحريات فكنتم السند لقوانا الأمنية وأجهزتها في إرساء الأمن وفي انفتاح المناطق وفي مكافحة المخدرات وفي حماية منجزات دولة السلام.
أيّها العسكريون،
إن اليوبيل الذهبي الذي تحتفلون به اليوم هو شرف ومسؤولية
شرف لاستمراركم علامة ناصعة من علامات هذا الوطن
ومسؤولية تدعوكم الى الوفاء بتاريخ مؤسستكم والى الامتثال دومًا قدوة في اداء الواجب.
إن دولة السلام جاهدة في رعاية مؤسستكم، وهي شدّت الحزام على نفسها حتى توفِّر لكم ما يمكنكم من النهوض بمهامكم.
لم ندّخر سبيلاً لإعادة تأهيلكم فانفتحت أوسع المجالات لكم لمتابعة العديد من الدورات الدراسية والتدريبية في الخارج. وقد عادت خافراتكم تمخر البحر والطوافات تجوب الأجواء.والى ذلك، تم إنشاء جهاز إسكان العسكريين الذي كان حلم كل عسكري فغدا اليوم حقيقة.
أيّها العسكريون،
نحن، القائد الأعلى للقوات المسلحة، نهنئكم على ما حققتموه داخل المؤسسة من تماسك وإعادة تنظيم، وما حققتموه من أجل الوطن تضحية ووفاء.
فلشهدائكم تحية الإجلال
ولكم جميعًا تحية الإعتزاز.
وثقوا أنه بقدر ما تتجلى انضباتيتكم يكبر أمل المواطنين بكم.
وطنكم يتطلع اليكم والى سائر قوانا الأمنية وأجهزتها , تحمون السيادة عند آخر حبة تراب من حدودنا المعترف بها دوليًا في الجنوب والبقاع الغربي فتكتمل إرادة التحرير وانطلاقة التعمير وينتصر لبنان
مبروك يوبيلكم الذهبي وحماكم الله للبنان.
أيها اللبنانيون،
ما حققناه للبنان هو مهم
هو مهم قياسًا على ما كان عليه البلد قبل خمس سنوات
وهو مهم إذا شكل أساسًا لبناء المستقبل.
ما حققناه لا نعده منجزات عهد فحسب
إنه منجزات وطن
لقد أرسينا عودة الوطن الى الوطن.
في دهاليز اليأس والضياع، كان قدري ان أقف بين الأنقاض وأرفع راية العودة : عودة الدولة، عودة الوحدة الوطنية، عودة الأمن، عودة الأمل والعمل، عودة المهجّرين، عودة العالم الى لبنان وعودة لبنان الى أشقائه والعالم.
هل صحيح ان ابن آدم سمي إنسانًا لأنه مفطور على النسيان؟
أنسينا في أية مأساة كنا؟
في وجه التقسيم وقفنا ونجحنا.
في وجه التوطين وقفنا ونجحنا.
والى التحرير أرضنا تتقدم.
على كل حال ، تقترب نهاية ولايتي الدستورية وضميري مرتاح الى ما استطعت إنجازه بالتعاون معكم.
لقد حققنا إرادتكم. ولكن لبنان اليوم ينادي قدراتكم.
إن اغلى ما قدمته لوطني هو ان يرى العالم لبنان ينتفض من الموت العبثي، ويجدد نفسه لخير نفسه وخير الأشقاء والأصدقاء.
أيها اللبنانيون،
لقد أنهينا الحرب
ولكن لم نكمل بعد انتصار لبنان
يبقى أمامنا ثلاث قضايا كبرى :
أولاً : استكمال تحرير أرضنا المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي لإنقاذ الكيان
ثانيًا : إعمار لبنان مواطنين ومجتمعًا ودولة، ومؤسسات وقطاعات ومناطق
ثالثًا : بلورة دور لبنان ومكانته عند المفترق المصيري الذي تشهده منطقتنا خصوصًا، ويعيشه العالم عمومًا.
أيها اللبنانيون،
كل اجتهاد هو جائز من اجل الوطن
وكل اجتهاد ضد الوطن هو مرفوض.
حق ان نرى الأزمات ولكن الأحق هو ان نعي كيف نعالجها وكيف ننهض الى العافية.
إن الاهتمام على قدر الامكانات لا يعني اللا اهتمام
وكثرة الحاجات لا تعني قلة التقديمات.
الأزمات لا تحل بالاختلاف حولها بل بالتضامن العملي لتجاوزها.
نحن لم نطفئ الحريق في الوطن حتى يشتعل التنازع  بين الاشخاص أو بين الأهواء.
لا يزال أمامنا عمل كبير
لايزال أمامنا عمل كثير
في البلد كلام كثير والمطلوب عمل أكثر.
إن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية قاسية ولكن لا يجوز لها ان تحرق الوطن، بل يجب ان تدعو الجميع الى المشاركة في تدجاوزها. فأنبل النضال هو الذي يكمل المكتسبات ويطورها.
إنها مرحلة المبادرات، فلماذا نجعلها مرحلة المهاترات؟
إذا قمت الى الادارة الصالحة والنزيهة والكفؤة قالوا : اهتز الوفاق واختل التوازن.
وإذا سكت عن التجاوزات وعن تبديد الإمكانات، تفاقم الاهتراء الاجتماعي والتراجع الاقتصادي.
داخل السلطة نسأل عما يرضي مصالحنا الآنية.وفي خارجها نحاضر في الصالح العام.
وما يحققه الوطن من نجاحات يردونها الى القرار الدولي، وما سيأتي دور معالجته يصنفونه فشلاً قبل المباشرة به.
شرط الوفاق أيها اللبنانيون، ليس الاتفاق على التغاضي عن الارتكابات، بل شرط الوفاق التجرد من اجل بناء الوطن كل الوطن.
أول الحل ليس في التخصيصية، وليس في توظيف الاملاك العامة، وليس في تسييل الذهب.
أول الحل في العقلية.
في مجال الإنفاق، هذا يريد ان يضع أعينه على معظم الادارات لمحاسبتها ويعتبر مساسًا بحقوق طائفته وبمكانته لو التفتت عين الى إدارة تعنيه أكثر من غيرها.
وفي مجال الجباية، ذاك يعتبر الامتناع عن دفع ما للدولة من مستحقات، أو التهرب من أداء الضريبة مظهرًا من مظاهر الوجاهة، ثم يأتيك ويطالبك بالإنماء المتوازن ويسألك عن الخدمات.
وفي مجال الديمقراطية، ذلك يزايد بها فوق سطوح الجميع لكنه يرفض أن تمارس تحت سقفه. إن العقد الوطني يرتكز على الرباط بين اللبنانيين من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ويرتكز على المساواة بينهم امام القانون الواحد.
والعقد الاجتماعي ينطلق من التعاضد بين الدولة وجميع المواطنين.
لبنان واحد متحد متعاضد :
من هنا لا معنى للديمقراطية خارج البناء الاجتماعي
ومن هنا أيضًا ان مسيرة النهوض الاقتصادي الاجتماعي تستلزم إصلاح المؤسسات وتطوير الإدارة نفسها.
إن اعادة التوازن بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية هي ضرورية لإحياء العافية الشاملة اجتماعيًا ووطنيًا.
التوازن الوطني هو الذي يضمن الاستقرار السياسي
والاستقرار السياسي هو المدخل الى النهوض الاقتصادي
الهوة الاجتماعية في البلد تضعف وحدتنا الوطنية
إذ لا ينهض وطن أكثر أهله عبء عليه.
إن التعاضد بين المواطنين والدولة هو أيسر الطرق لتلبية هذه الحاجات، فكيف نجعل من أنفسنا قضية أنفسنا وقت الوطن يحتاج الينا جميعًا.
وإذا لم يلتق اللبنانيون لتطوير الأمن الى استقرار اقتصادي واجتماعي فمتى يلتقون؟
بلقاء الجميع تأسس الكيان،
وبلقاء الجميع تقوم الدولة،
وبلقاء الجميع يتعافى المجتمع.
العمال الأجانب لا يأتون الينا إلاّ لأن شبابنا وشاباتنا يتقاعسون أو الى الهجرة يتطلعون. إن تدفق الأيدي العاملة من الخارج يعني انكفاء اليد العاملة اللبنانية ولا يعني أن في البلد بطالة.
بالاستنفار الجماعي ينهض البلد.
والمدخل الى المعالجة الاقتصادية والاجتماعية يتحدد بتعميم الجباية على الجميع، وبضبط الإنفاق، وبتعزيز قوى الإنتاج.
نحن في أمس الحاجة إلى الحفاظ على قوى الإنتاج وتمكينها من الصمود والتنامي زراعة وصناعة.
كما أن التماسك  بالاقتصاد الحر وتطويره لتعزيز الثقة بلبنان يشكلان دعامة التعافي الاقتصادي. لقد أعلنا مراراً بأن لا مساس بالسرية المصرفية في لبنان لا في شكل ولا في آخر.
إننا ننادي الأشقاء والأصدقاء ولا سيما الدول الأوروبية الصديقة والولايات المتحدة الأميركية لدعم مسيرة الإنماء والإعمار، كي لا يبقى لبنان ينهض وحده بهذه المهمة وأبناؤه لم يتأخروا مرة عن الإسهام في إعمار ديار العالم.
أيها اللبنانيون،
وقف الحرب لا يعني استعادة العافية.
وقف الحرب يعني انفتاح الفرص لاستعادة العافية.
إن انتظام عمل المؤسسات  هو من التزامها مسؤوليتها أسلوبًا وعملاً ونتائج.
لقد بات من الثوابت الراسخة أن الأمن أقوى من انفعالية الشارع، وأن الحرية أقوى من الغرضيات التي تقتل الحرية والدولة ومنجزات دولة السلام الوطني.
لا لأي إخلال بالأمن تحت أي ذريعة.
الأمن هو ضرورة وحاجة في هذا المفترق المصيري.
الأمن هو ضرورة وحاجة للمواطن والوطن وللدولة والمجتمع.
ولا مسايرة في هذا الشأن.
بين الوطن والرغيف على حساب الوطن، نختار الوطن.
الأمن قبل الرغيف وقبل السياسة
الأمن هو المدخل الى كسب الرغيف والى ضمان الحرية.
واللاأمن هو سقوط للحرية وللرغيف وللسياسة. هو سقوط للوطن. وهذا ما تبغيه إسرائيل.  
لقد تعلم الجميع في بلدنا أن لا حل لأية معضلة إلا بالحوار
كل موضوع يمكن معالجته
الامر شورى بينكم، والمسؤولية مشتركة بينكم جميعاً
لا تنكروا ما تم لكم حتى تصلوا إلى المنشود.
نحن كنا في الهاوية. نحن نؤسس للخلاص من التركة الثقيلة التي ألقيت على أكتافنا. نحن لا ندير العجز بل ندير الصعود من الهاوية.
أيها اللبنانيون،
أمام الاستحقاقات المصيرية وحدة الداخل ضمانة للذود عن حقوقنا المقدسة.
إن مفاوضات السلام تمر بمرحلة دقيقة تكشف عن حقيقة النوايا الإسرائيلية.
نحن جاهزون للسلام العادل والشامل
ولكن لاسلام مع احتلال الأرض
ولا سلام مع ممارسة الاعتداءات على أهلنا وعلى أرضنا , وانتهاك أجوائنا ومياهنا الاقليمية , ومع استمرار احتجاز المعتقلين والأسرى من أبنائنا دون أي اعتبار لاستقلالنا ولشرعة حقوق الإنسان وللأنظمة الدولية.
إننا نرتقب من الولايات المتحدة الأميركية راعية السلام في منطقتنا , المزيد من الدور الفاعل من أجل إنجاح مساعي السلام العادل والشامل القائم على تطبيق القرارات الدولية.
لن يستطيع أحد ان يحقق سلامه بلا لبنان أو على حساب لبنان
لقد التزمنا طريق التضامن مع الأشقاء وفي المقدمة سوريا الشقيقة بقيادة أخي الرئيس حافظ الأسد لاستعادة أرضنا وسيادتنا وللذود عن الكرامة العربية.
فلا تسليم باحتلال اسرائيل للجنوب والبقاع الغربي والجولان
ولا تحرير للجولان قبل الجنوب والبقاع الغربي ودونهما
ولا تحرير للجنوب والبقاع الغربي قبل الجولان أو دونه.
هذا عهد نلتزمه معًا وننهجه معًا.
أيها اللبنانيون،
بمقدار ما نريد لبنان السيادة، نريد لبنان الريادة
لقد انتشلنا جميعًا ومعًا لبنان من جحيم الاندحار
ولا عودة الى الوراء
إن وطناً شعبه نَبْعُ عطاء وعنده ثقة العالم به وبأهميته هو وطن أكبر من واقعه الحالي.  هو وطن لا مكان فيه إلا للبنّائين والمبدعين والمنتجين وليس للنّدابين والمنظرين والمنتظرين ترياق الآخرين.
إن مهمتنا جميعًا هي أكثر من إصلاح أوضاع أو ترميم مواضع. إنها إعادة بناء وطن كان وسيبقى حاجة إقليمية وضرورة عالمية.
فتعالوا جميعًا الى إعماره
أيها الضباط المتخرجون،
اليوم تتقلدون سيوف دولة السلام في يوبيل الجيش الذهبي.
تتخرجون وعلى أكتافكم إرث خمسين عامًا من الشرف والتضحية والوفاء وإرادة اللبنانيين جميعًا بأن يصنعوا المستقبل الواعد في الوطن الواحد.
فكونوا الأوفياء لكباركم والقدوة للآتين بعدكم :
بَرًّا بالقسم
وإخلاصًا للدولة
وذودًا عن الكيان.

© حقوق الطبع والنشر 2024 - جميع الحقوق محفوظة